تُعد الأزمة الإنسانية في سوريا من أطول الأزمات وأكثرها تعقيداً في العصر الحديث، وقد خلفت احتياجات هائلة تتطلب استجابة دولية واسعة النطاق. في هذا السياق، تلعب وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة لها دوراً حيوياً في تقديم المساعدات المنقذة للحياة والدعم اللازم لملايين السوريين المتضررين داخل البلاد وخارجها. يهدف هذا المقال إلى تقديم دليل شامل حول منح الأمم المتحدة في سوريا وطريقة التقديم والحصول على مساعدات مالية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على أنواع المساعدات المتاحة وكيفية البحث عن فرص عمل مدعومة.
إن فهم آليات عمل الأمم المتحدة وشركائها في سوريا هو الخطوة الأولى للوصول إلى الدعم المتاح. لا توجد “منحة” واحدة مركزية يمكن التقديم عليها ببساطة، بل هي مجموعة من البرامج والمشاريع التي تنفذها وكالات مختلفة بالتعاون مع منظمات غير حكومية محلية ودولية.
أنواع المساعدات الأممية الرئيسية في سوريا
تغطي المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة وشركاؤها في سوريا مجموعة واسعة من القطاعات لتلبية الاحتياجات الأساسية والمتنوعة للسكان المتضررين. من أهم هذه المساعدات:
المساعدات النقدية (الدعم النقدي)
يُعد الدعم النقدي أحد أكثر أشكال المساعدات فعالية، حيث يمنح الأفراد والعائلات القدرة على تحديد أولويات احتياجاتهم وشراء ما يلزمهم سواء كان طعاماً، دواءً، ملابس، أو دفع إيجار. يُقدم هذا الدعم عادةً للفئات الأكثر ضعفاً بعد تقييم دقيق للحالة.
المساعدات الغذائية
يقدم برنامج الأغذية العالمي (WFP) وشركاؤه المساعدات الغذائية على شكل سلال غذائية جاهزة أو قسائم شرائية تمكّن المستفيدين من الحصول على المواد الغذائية الأساسية من المتاجر المعتمدة. هذه المساعدات حاسمة لضمان الأمن الغذائي للأسر التي تعاني من صعوبة في تأمين طعامها.
المساعدات الصحية
توفر منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمات أخرى الدعم للقطاع الصحي في سوريا من خلال توفير الأدوية والمستلزمات الطبية، دعم المراكز الصحية والمستشفيات، وتوفير خدمات الرعاية الصحية الأساسية والتطعيمات، خاصة في المناطق التي تضررت فيها البنية التحتية الصحية بشدة.
المأوى والمواد غير الغذائية (NFI)
تُقدم المساعدات المتعلقة بالمأوى للأسر التي فقدت منازلها أو تعيش في ظروف غير آمنة. قد يشمل ذلك مواد ترميم بسيطة، خيام، أو دعم لإيجاد مأوى مؤقت. كما تُقدم المواد غير الغذائية مثل البطانيات، الملابس، أدوات المطبخ، ومستلزمات النظافة الأساسية.
الدعم التعليمي
تعمل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) وشركاؤها على دعم قطاع التعليم لضمان استمرارية تعلم الأطفال. يشمل ذلك ترميم المدارس، توفير المواد التعليمية، دعم المعلمين، وتوفير فرص التعليم غير الرسمي للأطفال الذين تسربوا من المدارس.
الدعم النفسي والاجتماعي
نظراً للآثار العميقة للأزمة على الصحة النفسية، تُقدم بعض البرامج دعماً نفسياً واجتماعياً للمتضررين، خاصة الأطفال والنساء، لمساعدتهم على التكيف مع الصدمات والتحديات التي واجهوها.
كيف يتم تقديم المساعدات الأممية؟
من المهم فهم أن الأمم المتحدة نادراً ما تقوم بتوزيع المساعدات بشكل مباشر على الأفراد. بدلاً من ذلك، تعمل الوكالات الأممية مثل UNHCR, WFP, UNICEF, WHO, OCHA وغيرها، بالتعاون الوثيق مع شبكة واسعة من المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية العاملة على الأرض في مختلف المحافظات السورية.
يتم تحديد المستفيدين والمناطق الأكثر احتياجاً بناءً على تقييمات شاملة للاحتياجات يتم إجراؤها بانتظام. هذه التقييمات تساعد في توجيه المساعدات إلى حيث تكون الحاجة ماسة والفئات الأكثر ضعفاً (مثل النازحين داخلياً، العائدين، الأسر التي تعيلها نساء، الأشخاص ذوي الإعاقة).
طريقة التقديم للحصول على منح ومساعدات الأمم المتحدة
لا يوجد نظام مركزي واحد للتقديم على جميع منح الأمم المتحدة في سوريا. عملية الحصول على المساعدة تعتمد بشكل كبير على البرنامج المتاح في منطقتك وعلى معايير الأهلية الخاصة بكل برنامج. ومع ذلك، يمكن تلخيص الخطوات والإرشادات العامة كالتالي:
1. تحديد الوكالة أو البرنامج المناسب
بناءً على نوع المساعدة التي تحتاجها (مالية، غذائية، صحية، إلخ)، حاول تحديد وكالة الأمم المتحدة أو المنظمة الشريكة التي تعمل في هذا القطاع في منطقتك. الروابط المقدمة أدناه يمكن أن تكون نقطة انطلاق للبحث.
2. متابعة إعلانات الشركاء المحليين
تنشر المنظمات غير الحكومية المحلية التي تتعاون مع الأمم المتحدة إعلانات حول بدء برامج تسجيل جديدة للمساعدات في مناطق معينة. هذه الإعلانات قد تكون عبر لوحات إعلانية في المجتمعات المحلية، أو من خلال القادة المجتمعيين، أو حتى عبر صفحات التواصل الاجتماعي للمنظمات الموثوقة.
3. التسجيل وتقديم البيانات المطلوبة
عند الإعلان عن برنامج تسجيل، ستحتاج عادةً إلى التوجه إلى مركز التسجيل المحدد أو اتباع التعليمات المقدمة (قد تكون عبر خط ساخن أو نموذج إلكتروني في بعض الحالات النادرة). سيُطلب منك تقديم معلومات شخصية ومعلومات عن عائلتك وحالتك المعيشية ليتم تقييم أهليتك ومدى ضعفك. الدقة في تقديم المعلومات أمر بالغ الأهمية.
4. الخضوع لعملية التقييم
بعد التسجيل، غالباً ما تقوم المنظمات بإجراء زيارات منزلية أو مقابلات هاتفية لتقييم الحالة المعيشية والتحقق من المعلومات المقدمة. يتم اختيار المستفيدين بناءً على معايير الضعف المحددة لكل برنامج.
5. الصبر والمتابعة
عمليات التقييم والاختيار تستغرق وقتاً. من المهم التحلي بالصبر ومتابعة الأخبار من المنظمة التي سجلت لديها. لا تتردد في الاستفسار من المصادر الموثوقة عن حالة طلبك، ولكن تجنب تكرار التسجيل في نفس البرنامج عبر قنوات مختلفة، فهذا قد يؤدي إلى استبعادك.
نقطة هامة: الحذر من أي شخص يطلب المال أو الخدمات مقابل التسجيل أو ضمان الحصول على المساعدة. وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها لا يطلبون أي مقابل مادي لتقديم المساعدات.
روابط مهمة لوكالات الأمم المتحدة العاملة في سوريا
يمكنك زيارة المواقع الرسمية لوكالات الأمم المتحدة العاملة في سوريا للحصول على معلومات عامة حول أنشطتها، تقاريرها، وأحياناً تفاصيل حول الشركاء المنفذين في مناطق معينة. تذكر أن هذه المواقع قد لا تحتوي دائماً على نماذج تقديم مباشرة للمساعدات الفردية.
- مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) – صفحة سوريا: https://www.unocha.org/syria (للحصول على نظرة عامة وتقارير حول الوضع الإنساني والاستجابة)
- المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) – صفحة سوريا: https://www.unhcr.org/sy (معلومات حول اللاجئين والنازحين والدعم المقدم لهم)
- برنامج الأغذية العالمي (WFP) – صفحة سوريا: https://www.wfp.org/countries/syria (معلومات حول المساعدات الغذائية)
- منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) – صفحة سوريا: https://www.unicef.org/syria/ar (معلومات حول دعم الأطفال والأسر)
- منظمة الصحة العالمية (WHO) – صفحة سوريا: https://www.emro.who.int/countries/syr/index.html (معلومات حول الدعم الصحي)
يُنصح بالبحث عن المواقع الإلكترونية أو صفحات التواصل الاجتماعي الرسمية للمنظمات غير الحكومية المعروفة العاملة في منطقتك، حيث غالباً ما تكون هي الجهة التي تقوم بعمليات التسجيل والتوزيع.
البحث عن فرص عمل ودعم سبل العيش
بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية الطارئة، تدرك الأمم المتحدة وشركاؤها أهمية دعم سبل العيش ومساعدة الناس على الاعتماد على أنفسهم. تتوفر بعض البرامج التي تركز على هذا الجانب:
برامج الأمم المتحدة لدعم سبل العيش
تقوم وكالات مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) و UNHCR و WFP بتنفيذ مشاريع تهدف إلى تعزيز سبل العيش. قد تشمل هذه المشاريع:
- التدريب المهني: توفير دورات تدريبية في حرف ومهن مطلوبة في سوق العمل المحلي.
- دعم المشاريع الصغيرة: تقديم منح صغيرة أو قروض دوارة للأفراد أو المجموعات لبدء مشاريعهم الخاصة.
- مشاريع العمل مقابل الأجر: فرص عمل مؤقتة في مشاريع مجتمعية (مثل ترميم بنى تحتية صغيرة) يحصل المشاركون فيها على أجر نقدي.
- التأهيل لسوق العمل: ورش عمل حول كتابة السيرة الذاتية، مهارات المقابلة، والبحث عن عمل.
مصادر البحث عن عمل
فرص العمل المتاحة من خلال برامج الأمم المتحدة وشركائها ليست فرص توظيف دائمة في الأمم المتحدة نفسها (تلك تتطلب مؤهلات وخبرات مختلفة وعملية تقديم منفصلة تماماً)، بل هي فرص ضمن مشاريع محددة لدعم المجتمع المحلي. يمكن العثور على معلومات حول هذه الفرص من خلال:
- المنظمات الشريكة المنفذة للمشاريع: كما هو الحال مع المساعدات، غالباً ما تعلن المنظمات المحلية عن بدء مشاريع سبل العيش وفرص العمل المتاحة ضمنها.
- المراكز المجتمعية: تدير بعض المنظمات مراكز مجتمعية توفر معلومات حول البرامج المتاحة وفرص التدريب والعمل.
- منصات إلكترونية محلية: قد تنشر بعض المنظمات إعلانات عن فرص العمل أو التدريب على مواقعها الإلكترونية أو صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
نصائح لزيادة فرص الحصول على المساعدة أو الدعم
- كن دقيقاً وصادقاً: قدم معلومات دقيقة وكاملة عن وضعك واحتياجاتك عند التسجيل. المعلومات غير الصحيحة قد تؤدي إلى استبعادك.
- تواصل مع المنظمات المحلية الموثوقة: هم الأقرب إلى المجتمعات ويعرفون البرامج المتاحة وكيفية التقديم عليها.
- تابع الأخبار والإعلانات: كن على اطلاع دائم بالإعلانات عن برامج المساعدات الجديدة في منطقتك.
- احذر من المحتالين: لا تدفع أي مبلغ مالي ولا تقدم معلومات حساسة (مثل أرقام حسابات بنكية أو وثائق شخصية غير مطلوبة رسمياً) لأي شخص يدعي أنه يستطيع ضمان حصولك على المساعدة.
في الختام، فإن الحصول على منح الأمم المتحدة في سوريا والمساعدات المالية يتطلب فهماً لآليات العمل المعقدة للجهات الفاعلة الإنسانية، متابعة مستمرة للإعلانات من الشركاء المحليين، والتحلي بالصبر والدقة في عملية التقديم. رغم التحديات الهائلة، تستمر الأمم المتحدة وشركاؤها في العمل لتقديم الدعم الحيوي لملايين السوريين في سعيهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية وبناء مستقبل أفضل.